فن وثقافة

القاصة أسماء مصطفي الزهري، تكتب قصة قصيرة “كعكة قلبي”.

 

دخلت الباب الزجاجي شف عن كل شيء ، كما شف قلبي عن شوقه الفاضح، أنوار و زينة و مغريات ورغبات تلاحق الحشود المخدرين، الذين كانت أعينهم متيقظة، وأقدامهم متحيرة ، أما أنا فكنت الوحيد بين كل هؤلاء الذي يعرف على وجه اليقين الشيء الذي يريد.

 

مضيت بثبات دون أن تضللني الأضواء ، فلقد كنت موقن أنها هناك تنتظر بصمت، بعد الممرات الخمس ، ساكنة رطبة الملمس، فاتنة الطلة.

 

القاعة كانت باردة في جوها الحسي و المعنوي ، لكن حرارة شوقي هدتني لها، مشيت خطواتٍ متجسسة كطفلٍ يتسلل لسرقة حلوى من رف المطبخ السري الذي اكتشف أمره حديثاً، تجاوزت الممرات الخمس وبقلب تتسارع دقاته وقفت أمامها، كانت كما تخيلت تماماً ولم تزد صورتها الماثلة أمامي جمالاً عما رسمته مخيلتي القاصرة ، قالت دقات قلبي: وجدتك ، لم تجب .

 

لكني اعتبرتها فعلت، كانت مختبئة خلف لوحٍ زجاجي، وأنا لم أتعجب لذلك ، حري بها أن تحمي نفسها وهي بهذا الجمال ، اللوح الزجاجي منعني من لمسها حتى ، فاستفزت شوقي إليها أكثر، حدثتها من خلف الحجاب بصوت خافت خفوت آخر ضي لشمعة عيد ميلاد : هل جمالك هذا نابع من أصلك ؟ أم تراني سأستسيغ مرارة بعد تجاوزي لهذه البهرجة الجذابة ؟ لم تجب .

 

أكملت مستطرداً : لا تسيء فهمي و لا تظن أن لون الكرز على وجهك هو الذي جذبني ، أو بياض السحاب على محياك ، أو رائحة الفانيليا التي تفضح سحرك، أنا لم يجذبني إليك سوى أني أعلم بأنك التي ستسعد قلباً تائهاً تقاذفته الأيام حتى صار وحيداً بالكلية حتى من نفسه . لم تجب.

 

 

صمتك هذا لا يفسر لي سوى عجزك عن إرضاء ضعيف مثلي .

 

أكمل حديثه بنبرة يا ئسة :كان أصعب خيار واجهني هو الإختيار بين قميص سماوي و آخر أزرق كي أتأنق به يوم مقابلة العمل الذي فقدته في النهاية ، وأظنني سأضيعك أنت الأخرى ، لم تجب.

 

كانت الأضواء مرصوفة على طول وعرض لوح الزجاج عاكسة صورتها عليه بيضاء ساكنة، ظل يتحسس انعكاسها بلهفة وهو يحدثها : قد تتساءلين وأظنك فعلت عن اختياري لهذا الوقت بالتحديد، لما الآن وليس في أي وقت آخر ؟ ربما قررت أخيراً أن أتصالح مع نفسي وأثبت على اختيارٍ ولو لمرة، ربما قررت أن أختار سعادتي ؟ ربما قررت أن أختار شريكاً ليسعد قلبي الوحيد ولو لساعات ولو لمرة.

 

أجيبك بكل قناعة : نعم سأختارك ، غداً يوم مولدي و ستشاركيني فرحتي، أتمانعين؟ شكلك سيكون شهياً في تلك الليلة بينما تعزف الموسيقى و تشعل الشموع.

 

أستظلين ساكتة ؟ نظرات المارة المريبة تفزعني، وعربات التسوق التي يجرونها تدعس على أفكاري و تصطدم بي دون أن يعتذر أحد، أيعجبك شكلي المهين هذا؟

 

لما يبدو الجميع راغبين بالكعكات الآن ؟ المتبضعون يزاحمونني ، يبدو أن علي اتخاذ قراري بسرعة، أنا أشتهيك ولن تكف شهوتي إليك إلا بك، لم أحضرعربة كما ترين لأني سأحملك بين يدي ، بين يدي يا حبيبتي قرب قلبي.

 

ظلت في بياضها صامته ، وحين قرر أخذها أخيراً نطر لسعرها فوجد أنها أغلى ثمناً من كل رفيقاتها على الرف على الرغم من بساطة بهراجها، فقال يائساً يبدو أن مهرك غال، مع أنك مزينة بحبات الكرز و الكريمة لستي مزخرفة بالشوكولاته وأوراق الذهب، ثم قال غاضباً: ستسعدين قلبي للحظات ثم ستنتهين ككل شيء عرفته ، لن أدفع أبداً هذا المال مقابل سعادة وقتيه ، ظلي على الرف ، قد يأتي أبله غيري ليأخذك، وبمجرد استدارته ، تهافتت الأيدي لأخذها ، فلقد كانت الكعكة الطازجة الوحيدة بين كل الكعكات.

هناء حسيب

الكاتبة الصحفية هناء حسيب، المشرف العام على مجلة وموقع الوطنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى