فن وثقافةمقالات

الترجمة بين الكم والكيف

رؤية المُترجم: محمود فتحي سعد-المجله الوطنيه الاقتصاديه

لا أحد يستطيع أن ينكر فضل هذا السيل العَرِم من المصادر المعرفية والتكنولوجية في سوق الترجمة، فكل شيء أصبح في متناول يد المترجم بدايةً من القواميس الإلكترونية ومرورًا بمواقع البحث ووصولًا إلى مواقع الترجمة الآلية، بيد أن هذا كله -من وجهة نظري- وإن كان قد أثرى مجال الترجمة بالكثير إلا أن له بعض النتائج غير المرغوب فيها.

فإذا عُدنا بالزمن إلى الوراء لسنوات مضت، إبان العقد الأول لهذا القرن، سنجد أن سوق الترجمة لم تكن تحظى بهذا الكم الوافر من المصادر المفتوحة، مما جعل الترجمة مجالاً صعب المنال إلا على أهله، وأقصد بأهله هنا دارسي اللغات. ولندرة الموارد آنذاك -مقارنةً بما بين أيدينا في هذه الأيام- دفع ذلك الكثير إلى العزوف عنها لصعوبتها حتى على أهل اللغة أنفسهم، وشيئًا فشيئًا بدأت التكنولوجيا الحديثة تفتح آفاق المعرفة أمام أهل الترجمة وخاصَّتها، وبدأت سوق الترجمة تنتعش، الأمر الذي كان له مردوده على أرض الواقع، مما جعل سوق الترجمة ومهنة المترجم محط أنظار الجميع، ومع كثرة المصادر باتت عملية الترجمة أسهل من ذي قبل؛ مما جعل الكثير يسيل لعابه شوقًا إلى العمل بها، وهنا بدأت السوق تستقطب القاصي والداني، الأمر الذي شكَّل ضغطًا كبيرًا على السوق.

ومع اندلاع ثورة يناير، وبسبب الظروف الاقتصادية في البلاد، تفاقم هذا الضغط حيث بدأ الكثير يحوِّل وجهته ناحية سوق الترجمة، وبدأت المنافسة تشتعل رويدًا رويدًا، ودخل المجال من لا ناقةَ له فيه ولا جمل وظهر ما يعرف بسماسرة الترجمة. ولصعوبة المنافسة واحتدامها لم يجد هؤلاء من غير المتخصصين بُدًّا من المضاربة في الأسعار، ذلك أن الكثير منهم ليس لديه بضاعة مميزة يمكن أن يُنافس بها أهل هذه الصنعة وروَّادها المُحترفين. وكان من نتيجة ذلك أنك تجد اليوم الكثير من التراجم التي تتداولها بعض الشركات ما هي إلا بضاعةٌ مُزجاةٌ لا قيمة لها.

وفي النهاية فإنني هنا لست في معرض الحديث عن ضرورة قَصْر العمل في مجال الترجمة على أهلها المتخصصين؛ فسوق الترجمة من الأسواق الكبيرة المفتوحة التي تستطيع أن تستوعب أضعاف ما بها الآن، ولكنني أدعو إخواننا المبتدئين الذين يريدون أن تكون لهم الغلبة في هذه الحرب الضروس أن يتدربوا أولًا ويجتهدوا على نحوٍّ يمكنهم من اللحاق بمقدمة هذه القاطرة حتى لا يقضوا حياتهم كلها في المؤخرة بين هؤلاء المُضاربين الذين يرفعون شعار “الكم لا الكيف”.

وقد يتساءل البعض عن كيفية الوصول إلى الإتقان والتميُّز، فإليكم بعض النصائح البسيطة التي استنبطتها من مسيرتي المتواضعة:
إن سنحت لك الفرصة، فلا تبدأ حياتك المهنية بالعمل الحُر؛ فهذا خطأ يقترفه الكثير، فلتسعَ جاهدًا إلى العمل في إحدى شركات الترجمة قدر الإمكان حتى تعمل تحت إشراف مَن هم أفضل منك في المجال لتنتقل إليك خبرتهم ويصحِّحوا لك ما قد تقع فيه من أخطاء.

وعليك بالاهتمام باللغة العربية؛ فإنها اللبنة الأساسية لمهنتك، ويمكنك صقل مهاراتك اللغوية بمطالعة كتُب الأدب العربي، فعش مع المنفلوطي ونثره الساحر، والرافعي وكتاباته البديعة وغيرهما من منارات الأدب في العصور الخوالي.

وطالع الصحف الأجنبية، ولتخصص لنفسك نصف ساعة يوميًّا علي الاقل تطالع فيها مواقع الأخبار مثل موقع هيئة الإذاعة البريطانية وغيرها لتقرأ فيها عن المستجدات على الساحة ما بين أخبارٍ في الفن والرياضة والصحة والسياسة.

وفي النهاية عليك ان تعلم أنه كما قال أستاذنا الجليل فتحي عبد الرؤوف (Prof. Fathi Abderraouf) أدام الله عطاءَه: إنه لا سبيل لك إلى الإتقان إلا من خلال التدريب والتمرين المتواصل، أو كما قال أستاذنا في أحد منشوراته على الفيس (To master translation, practise it more, talk about it less).

هناء حسيب

الكاتبة الصحفية هناء حسيب، المشرف العام على مجلة وموقع الوطنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى