مقالات

إثيوبيا وفيضانات السودان ومصر حين تتحوّل السيادة المطلقة إلى أداة للضرر… والقانون الدولي شاهدٌ على الخرق

بقلم / د. هاني عبده إبراهيم

منذ فجر التاريخ، ظلّ نهر النيل رابطًا خالدًا بين شعوب واديه، وعمودًا للحياة في أراضيه الممتدة من منابعه في الهضبة الإثيوبية إلى مصبّه في البحر المتوسط.

ولم يكن يومًا حكرًا على دولةٍ دون أخرى، بل كان رمزًا للتواصل والازدهار المشترك. غير أنّ هذا المعنى العميق بدأ يتلاشى مع تمسّك إثيوبيا بمفهوم السيادة المطلقة على مجرى النيل الأزرق، في تجاهلٍ لمبادئ القانون الدولي، وفي إصرارٍ على فرض إرادتها على حساب جيرانها في السودان ومصر.

لا تنمية بلا عدالة مائية إنّ ما تسميه إثيوبيا “حقًّا سياديًا” لا يمكن أن يعلو على حقّ الشعوب في الحياة.فالنهر ليس ملكًا لدولةٍ بعينها، بل ميراثٌ مشتركٌ أوجب الله وقواعد العدالة أن يُدار بالحكمة والتشاور لا بالانفراد والإملاء.

وبناءً عليه، فإنّ إثيوبيا تتحمّل المسؤولية القانونية الدولية الكاملة عن الأضرار الناجمة عن فيضانات السودان ومخاطر النقص المائي في مصر، ويحقّ للدول المتضرّرة المطالبة بالتعويض واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوقف أي تصرفٍ أحاديٍ مستقبلي.

إنّ العدالة المائية هي حجر الأساس في استقرار المنطقة، وإنّ العودة إلى التعاون الصادق هي السبيل الوحيد لضمان أن يبقى النيل — كما كان عبر العصور — نهرًا للحياة، لا أداةً للخصومة والدمار.

خرقٌ واضح لمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للقانون الدولي للمجاري المائية المشتركة لا يجيز لأي دولةٍ أن تتصرف في النهر على هواها، بل يُلزمها بأن يكون استخدامها منصفًا ومعقولًا، بحيث لا يُخلّ بحقوق الدول الأخرى في ذات المورد. لكنّ إثيوبيا، في سلوكها الأحادي تجاه سد النهضة، قد تنكّرت لهذا المبدأ، إذ شرعت في ملء السد وتشغيله دون اتفاقٍ ملزم أو تنسيقٍ مسبق، متجاهلةً ما قد ينجم عن ذلك من كوارث بيئية وإنسانية في دولتي المصب.

فيضانات السودان وأضرار مصر… مسؤولية لا يمكن إنكارها ؛  لقد شهد السودان في السنوات الأخيرة فيضاناتٍ غير مسبوقة أودت بأرواحٍ وممتلكاتٍ وزروعٍ، بينما تتزايد في مصر المخاوف من تأثيرات غير محسوبة على أمنها المائي. وليس من العدل أن تُعزى هذه الكوارث إلى الطبيعة وحدها، فحين تتلاعب دولةٌ بتدفق النهر دون تنسيق، أو تُطلق المياه بغير نظامٍ أو إشعارٍ مسبق، فإنها تتحمّل قانونًا المسؤولية الكاملة عن النتائج والأضرار المترتبة.

مبدأ عدم إحداث الضرر الجسيم… 
تنصّ المادة (7) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 على أنّه يجب على الدول المشاطئة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع إلحاق ضررٍ جسيمٍ بدولٍ أخرى تتقاسم المجرى المائي ذاته. ورغم وضوح هذا النصّ، فقد أخلّت إثيوبيا بواجبها، سواء عبر سوء إدارة السد، أو من خلال التصريف غير المبرر للمياه، وهو ما يجعلها مسؤولة دوليًا عن الأضرار التي لحقت بالسودان ومصر وفقًا لقواعد القانون الدولي الراسخة.

وجوب التعاون لا الانفراد…. 
يُعدّ التعاون وتبادل المعلومات أساسًا راسخًا في إدارة الأنهار المشتركة. فالنهر لا يعرف الحدود السياسية، ومياهه لا تتوقف عند لافتات السيادة.لكن إثيوبيا اختارت طريق الانفراد، فامتنعت عن تبادل البيانات الفنية مع دولتي المصب، مما زاد من مخاطر التشغيل وأفقد المجتمع الدولي الثقة في نواياها.إنّ رفض الحوار والشفافية في قضية بهذا الحجم لا يمكن اعتباره سوى تصرفٍ غير مسؤول يعرّض السلم الإقليمي للخطر.

القانون في مواجهة التعسّف…. 
لم يعد الخلاف على سد النهضة مجرّد نزاعٍ حول الكهرباء أو التنمية، بل بات قضية عدالة مائية وحقوق إنسانية.إنّ تمسّك إثيوبيا بمبدأ السيادة المطلقة على النهر، وتجاهلها مبدأ المنفعة المشتركة وعدم الإضرار بالغير، يجعلها في موضع المساءلة القانونية الدولية. وإذ يترقّب العالم حلولًا عادلة، فإنّ الأمل يبقى في عودة العقل إلى مجراه الطبيعي، وفي أن تدرك إثيوبيا أنّ القوة في إدارة المياه ليست في احتباسها، بل في حسن اقتسامها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى