لعنة الاعتياد…

بقلم أميرة الحسيني
قد تذهلك فكرة وجود مجتمع كامل مبنية على التعود.فالتعود في حقيقة الأمر قوة ذاتية، قادرة على تحريك المجتمع وبناء أفكاره وثوراته وغضبه. وقد أثبتت الآية الكريمة: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}. كيف أن التعود واقتفاء الأثر قد يبني أمة وقد يعوق فكر تنويري. التعود بشقيه الإيجابي والسلبي هو المحرك الأكبر للمجتمع، ومن هنا بدأت فكرة الحرب الثقافية تجد سبيلها، لنعتاد وضع مخالف لفطرتنا، ثم نعتاد صفات ضد طبيعتنا،ثم نعتاد أنفسنا في صورة لا ترضينا ولكننا اعتدنا.
اعتدنا الدماء والحروب حتى باتت مثل الخبر العادي. لم تعد قلوبنا تعتصر ألمًا مثلما كانت،أصبحنا نكتفي بتنهيدة مؤلمة لا تتجاوز مدتها ثوانٍ معدودات! ويتوالى الاعتياد .
حتى أنك للحظة ما تجد صعوبة في استخدام عقلك البشري غير المحدود في موقف حرج جدًا،إلا أنه محدود جدًا، لدرجة أن عقلك لا يود الالتفات إليه، وتلجأ لردود الفعل المعتادة والمتداولة لتخلق لديك طبيعة أخرى وهي التجاهل، فتتجاهل المعنى والقيمة والشعور والأثر الحادث لفعلك.
التجاهل الذي قد تعتاده لدرجة أنك تتجاهل ألم معدتك عند الجوع، هل يمكن أن تموت جوعًا دون أن تعلم؟ لعنة الاعتياد هي الساق الواحدة التي تودي بك إلى أي طريق دون أن تميل، اعتياد الخيانة وتقبلها، واعتياد الضجيج ثم الاستمتاع به، إن أسوأ عادات قد تقابلها في حياتك ستمر عليك بهدوء شديد إذا اعتدتها، قد تنطفئ إنسانيتك حين تغلق أعين الثورة بداخلك على تلك الأمور التي لا بد من تجاوزها ثم ماذا؟
ثم تصبح أنت ذاك القبح الذي كان يشعل ثورة الغضب من المجتمع وعاداته، ومن تصرفات البعض، ستلتمس الأعذار لكل من كانوا منحطين في نظرك يومًا ما، وستواجه مشكلة الشك في الأنقياء، ستتهمهم بأن إمكاناتهم ضئيلة جدا وعلومهم سطحية، أو أن الدنيا لم تؤلمهم مثلما آلمتك.
لعنة الاعتياد التي تجعلك تفتح عينيك على شريك ينقصه معاني الشراكة كلها، وترتدي ملابسك التي تتميز بمواكبتها لوضع اعتدته، وسيارتك التي تتماشى مع الوضع ذاته، وأشخاص يساعدونك على ابتلاع كل ذاك الاعتياد، وأخبار تحمل لك كمًا كبيرًا من الخيبة وقلة الحيلة إزاء مواقف لم تفكر للحظة أن تقف عندها، لأنك اعتدت التجاهل.
وكأنك تقرأ: {هذا ما وجدنا عليه آباءنا الأولين}. ألم يدخل الإيمان قلوبنا؟ أم أن القلوب لفظته مكتفية بالمبررات غير المنطقية وغير السوية أيضًا.
قد تكون منتقدًا المجتمع، رغم كونك ذراعًا فيه باعتيادك وتجاهلك ومبرراتك التي تريح بها ضميرك!